فداء تمثل معاناة نساء غزة من ألم الفقدان ومرارة العيش والبقاء على قيد الحياة
قطاع غزة – قصة فداء( 38 عاما) من قطاع غزة تمثل ألم ووجع النساء الغزيات اللواتي يدفعن وطأة الحروب المتكررة على قطاع وآخرها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول التي استمرت 15 شهرا حتى إعلان وقف إطلاق النارفي كانون ثاني 2025 والحصار الجوي والبري والبحري المفروض على القطاع منذ 17 عام، مما يعيق سفر وحركة سكان قطاع غزة وشرط الحصول على تصاريح للسفر للخارج لتلقي العلاج والتعليم.
فداء إمرأة تعمل في المجال الإنساني عملت مع نادي الأقصى الرياضي وهو شريك لمؤسسة آكشن إيد فلسطين. مرت فداء في ظروف مروعة بعد فقدان زوجها خلال الحرب. تحمل فداء درجة الدكتوارة وهي أم لسبعة أطفال .
تغير الحياة بعد الحرب في غزة
إنقلبت حياة فداء وتغيرت كليا بفعل الحرب على قطاع غزة. تتحدث فداء: " لم تكن غزة تنعم بحياة مثالية قبل الحرب، لم تكن الحياة مثالية، لكنها كانت أفضل بكثير. كنت امرأة قوية وفخورة ومتماسكة. عملت كمسؤولة برامج في منظمة غير حكومية، نادي الأقصى الرياضي، الذي يوفر مساحة آمنة للأطفال للعب. كنا نعمل على تنظيم ورش عمل للفنون والحرف اليدوية بدعم من مؤسسة آكشن إيد فلسطين، ونشجع الأطفال على الإبداع كوسيلة لمواجهة التأثير النفسي للصراع والحصار".
حصلت فداء على درجة الدكتوراة بدعم من زوجها وعائلتها. تقول فداء: "إستطاعنا شراء منزلنا الخاص بنا بعد 15 عام الادخارفي مدينة الزهراء جنوب غزة، وكنا نتطلع لتربية أطفالنا هناك. لكن كل شيء تغير بعد السابع من تشرين الأول لعام 2023.
كابوس البقاء في قطاع غزة أثناء الحرب
فقدت فداء زوجها خلال الغارات الجوية على قطاع غزة أثناء الحرب، وتحولت حياتها إلى كابوس يومي وصراع من أجل البقاء بعد شهر تشرين الأول لعام 2023 . تتحدث فداء : "أصبحت أرملة وأم لسبعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و20 عامًا. من الصعب للغاية وصف الكابوس الذي نعيشه في غزة، واجهنا الموت والرعب كل يوم. لقد عانينا من معاناة لا توصف، بما في ذلك فقدان زوجي، عبد الحميد، بسبب القصف."
رعب الفقدان ومعاناة النزوح
نزحت فداء وعائلتها وغادرت مدينة الزهراء بعد أيام من بدء القصف، نزحوا إلى مركز إيواء تابع للأونروا في مدرسة سابقة في النصيرات، حيث مكثوا هناك لعدة أشهر.تتحدث فداء عن ألم الفقدان والنزوح " حاولت أنا وزوجي وشقيقي وضع روتين جميل، كل مساء، كنا نجتمع في ساحة المدرسة، نتحدث، نلعب، نشارك النكات ونروي القصص على العشاء. تلك اللحظات كانت بمثابة عزاء لنا وسط الفوضى، وهروبًا قصيرًا من الخوف المستمر الذي كان يسيطر علينا".
غادرنا ساحة المدرسة في 14 آيار، كالمعتاد للعودة إلى الغرف المخصصة لنا للنوم. ووفقًا لقواعد مركز الإيواء، ينام الرجال والنساء في غرف منفصلة. كان زوجي وشقيقي في غرفة الرجال، بينما بقيت أنا مع الأطفال في غرفة النساء. في منتصف الليل، استيقظنا مذعورين على صوت انفجار مدوٍ. كانت القوات الإسرائيلية قد أطلقت قذائف. استمر القصف بلا هوادة، وبعد فترة استهدف القصف الغرفة التي كان زوجي وشقيقي ينامان فيها. اندلع حريق استمر لأكثر من ثلاث ساعات، التهم كل شيء في طريقه. لم يكن هناك أي أمل في أن ينجو أحد من هذا الدمار. كنت أعرف أن زوجي وشقيقي قد رحلا، وقد ابتلعتهما النيران".
تواصل فداء وصف لحظات الألم : " لن أنسى أبدًا منظر أطفالي وهم يركضون نحو النيران، في محاولة يائسة لإنقاذ والدهم وخالهم. كانوا يصرخون، يتوسلون إلى الله لحدوث معجزة. سقطوا منهارين، ينتظرون أي خبر جيد، لكن لم يكن هناك شيء".
تواصل فداء حديثها : " عندما هدأ الحريق أخيرًا، لم يكن هناك أي وجوه متبقية للتعرف عليها، ولا ملامح لنقول لها وداعًا أخيرًا. لم نتمكن حتى من دفنهم بشكل لائق، وهذا الأمر يطاردني كل يوم".
العدالة والمساءلة المفقودة
تستذكر فداء صفات زوجها : " كان زوجي رجلاً مميزًا جدًا. كان عبد الحميد باحثًا شغوفًا، وكانت رسالته للدراسات العليا بعنوان "دور المحكمة الجنائية الدولية في حماية حقوق ضحايا الجرائم الإسرائيلية." هذا العنوان يعكس التزامه باستكشاف كيفية تحميل المؤسسات العالمية مرتكبي الجرائم المسؤولية عن أفعالهم، وحماية الأكثر ضعفًا في مناطق الصراع. ولكن لم يكن يعلم أن الحرب التي درسها من منظور نظري ستأخذ حياته لاحقًا. كان عمله مدفوعًا بإيمان عميق بالعدالة وبقدرة المحكمة الجنائية الدولية على أن تكون قوة للمساءلة. كان بحثه دقيقًا، ولكنه أيضًا نابع من قلبه، يعكس أمله في أنه في عالم مليء بالعنف والقمع، هناك آلية لتحقيق العدالة والكرامة لأولئك العالقين في مرمى النيران. كان عبد الحميد يفهم، شخصيًا وأكاديميًا، حجم المعاناة الهائلة التي يتحملها المدنيون في فلسطين.
مرارة العيش في الحرب
تنقلت فداء وأطفالها منذ وفاة زوجها بين عدة مراكز إيواء، وكل واحد منها كان أقل أمانًا من السابق. كانت ظروف مراكز الإيواء كارثية، حيث لا يوجد ماء نظيف ولا مرافق صحية، بالكاد نحصل على الحماية من قسوة الظروف الطبيعية. مراكز الإيواء مكتظة، ونواجه طوابير طويلة للحصول على كل شيء، من مياه الشرب إلى الطعام. يتم الطهوعلى نار مكشوفة، كما يتم غسل الملابس يدويًا.لا يوجد مكان مناسب للنوم، والأطفال يشعرون بالبرد. يت إستخدام من الملابس الإضافية وبضع بطانيات للتدفئة، لكن هذا لا يكفي أبدًا.
رعاية وإعالة الأسرة
تتحمل فداء رعاية وإعالة أسرتها وأطفالها بعد قتل زوجها. تتحدث : " تحملت مسؤولية إعالة عائلتي. يبدأ يومي بشعور ثقيل في قلبي، مليء بالألم بسبب واقعنا".
تحديات العمل الإنساني
أصبح العمل الإنساني صعبا في قطاع غزة أثناء الحرب وبعدها. حاولت فداء العمل في ظروف صعبة والتواصل مع النازحين في محيطها وتقديم الدعم قدر الإستطاعة وتوزيع القليل من المساعدات. تقول فداء : : المساعدات لم تكن كافية أبدًا" .في المساء، عندما يعمل المولد الكهربائي، أشحن هاتفي وأتصل بالعالم الخارجي، ولو لوقت قصير، وأفكر في الحياة التي كنا نعيشها قبل الحرب.
الآن، كل ما أريده هو أن تبقى عائلتي على قيد الحياة، وأن يكبر أطفالي دون الخوف المستمر من سقوط القنابل من السماء. أريد أن أستطيع احتضان أحبائي وأعلم أنهم سيكونون هنا غدًا. أحلم بوقت لا نضطر فيه للهروب، حيث يمكن لأطفالي العودة إلى المدرسة واللعب دون خوف، وإعادة بناء الحياة التي تمزقت".
رسالة فداء للعالم
فداء لا تطلب الشفقة من قادة العالم، بل تطلب العمل. تقول فداء: " أناشدهم أن يدركوا أن عائلتي ليست مجرد رقم في الإحصاءات أو ضحية أخرى للحرب. كل شخص في غزة هو إنسان، تمامًا مثلكم، لديه آمال وأحلام وأحباء يريد حمايتهم. نحن لسنا أرقامًا. نحن لسنا أضرارًا جانبية. نحن بشر، آباء وأمهات، أطفال وأصدقاء نستحق العيش بسلام. على قادة العالم أن يتحركوا الآن لإنهاء هذه الإبادة الجماعية. يجب أن يطالبوا بوقف إطلاق النار وأن يدعوا إلى فتح ممرات إنسانية.
قصة زوجي لا تتعلق بموت رجل واحد فحسب، بل هي تذكير بالملايين من الأرواح التي دمرتها الحروب. إنها تسلط الضوء على الحاجة الملحة لحماية أقوى وأكثر فعالية للمدنيين في مناطق الصراع، وعلى المؤسسات العالمية أن تفي بالوعود التي قطعتها لأكثر الناس ضعفًا في العالم.
يجب أن تستمر المعركة من أجل العدالة، ليس فقط في قاعات المحاكم، ولكن أيضًا في قلوب وعقول أولئك الذين يسعون لتحقيق السلام والمساءلة. إرث عبد الحميد يكمن في سعيه لتحقيق العدالة للآخرين.
نبذة عن مؤسسة آكشن إيد الدولية
مؤسسة آكشن إيد الدولية هي اتحاد عالمي يعمل مع ما يزيد على 41 مليون شخص يعيشون في أكثر من 72 دولة من الدول الأكثر فقرًا. نسعى لرؤية عالم يتسم بالعدالة والاستدامة، حيث يتمتع كل فرد بالحق في الحياة الكريمة والحرية، وعالم خالٍ من الفقر والاضطهاد. نعمل لتحقيق العدالة الاجتماعية ومساواة النوع الاجتماعي واستئصال الفقر.
باشرت مؤسسة آكشن إيد-فلسطين عملها في فلسطين في عام 2007 لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني إيمانًا في حقه بالتمتع بالحرية والعدالة وحق تقرير المصير. تنفذ مؤسسة آكشن إيد-فلسطين عدة برامج من خلال انخراطها مع المجتمع الفلسطيني والمجموعات الشبابية والنساء، حيث تسعى إلى تمكين النساء والشباب وتعزيز مشاركتهم المدنية والسياسية الفاعلة لفهم حقوقهم والاضطلاع بالنشاط الجماعي للتعامل مع انتهاكات الحقوق الناجمة عن الاحتلال طويل الأمد، إضافة إلى تحسين قدرتهم القيادية وممارسة مواطنتهم في مساءلة السلطات والجهات المسؤولة الأخرى.
لمزيد من المعلومات، يرجى الاتصال بـ:
رهام جعفري
مسؤولة التواصل والمناصرة في مؤسسة آكشن إيد-فلسطين
البريد الإلكتروني: Riham.Jafari@actionaid.org