الخليل – الأرض الفلسطينية المحتلة – تمشي ألماظة كل يوم في الأزقة الضيقة المليئة بالحواجز للوصول إلى مطعمها في البلدة القديمة من الخليل (H2) –حيث انها منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية حيث تتدلى كاميرات المراقبة فوق الواجهات المغلقة للمحال التجارية. أطلقت ألماظة على مطعمها الذي تدعمه مؤسسة أكشن إيد فلسطين (AAP) اسم "بيت سِتّي". تعمل ألماظة في صناعة المعجنات والحلويات لتأمين مصدر دخلها، متجاوزة واقعاً يومياً نادراً ما يتصدر العناوين العالمية: العنف الصامت المتمثل في العزلة والإذلال والحرمان الاقتصادي.
الوصول إلى المطعم شاق وصعب. تقول ألماظة: "علينا عبور خمسة حواجز، وفي كل مرة يتم تفتيش منتجاتنا قبل أن نتمكن من تسليمها. كنت أعمل من المنزل قبل افتتاح المطعم، والآن يستغرق الأمر حوالي ساعة للوصول، عبر طرق طويلة وصعبة."
بالنسبة لألماظة، كامرأة تعيش في منطقة H2، لا يُقاس العنف دائماً بإطلاق النار أو المواجهات، بل يسكن في السكون القسري في العجز عن الحركة بحرية، عن العمل، عن التنفس دون خوف. إنه في صوت البوابة التي تُغلق مع غروب الشمس، في نظرات الأم وهي تراقب أبناءها يعبرون الحاجز في طريقهم إلى المدرسة وفي شعور العجز المالي المفروض عليها بسبب الاحتلال.
تقول ألماظة إن حياتها تأثرت بشدة منذ الحرب على غزة عام 2023: منذ بداية الحرب، أصبح حيّنا حارة السلايمة تحت الإغلاق الكامل، مع فرض حظر تجول صارم وقيود مشددة. تأثرنا نفسياً بشدة، شعرنا وكأننا محاصرون ومنعزلون تماماً."
جدران غير مرئية، ومعاناة مرئية
منذ أن قسّم بروتوكول الخليل لعام 1997 المدينة إلى منطقتي H1 وH2، يعيش نحو 34,000 فلسطيني تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة إلى جانب ما يقارب 800 مستوطن إسرائيلي. والنتيجة هي نظام خانق من الحواجز وقيود الحركة والمراقبة، جعل الحياة اليومية سلسلة من العوائق خاصةً للنساء.
تواجه العديد من النساء في منطقة H2 صعوبات كبيرة في الوصول إلى أماكن عملهن. تقول ألماظة:
"شعرنا بالعجز، لا نعرف ما الذي يمكن فعله. كأمهات، كنا نمضي أيامنا في الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال حياتنا خارج المنزل اختفت تماماً. تخلّينا عن أشياء كثيرة، فقط كنا نتمنى أن نعود إلى العمل، لكن لم يكن ذلك ممكناً."
هذا الاحتجاز القسري هو شكل آخر من أشكال العنف. فهو يعمّق التبعية، ويقوّض الإحساس بالقيمة الذاتية، ويعزل النساء عن بعضهن البعض. ومع مرور الوقت، يصمتن اقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً.
التمكين الاقتصادي يدعم صمود النساء ويحوّل المعاناة إلى قوة
انطلاقاً من إدراك العلاقة العميقة بين الاعتماد الاقتصادي والهشاشة، تعمل أكشن إيد فلسطين على دعم النساء في منطقة H2 لتمكينهن من استعادة مصادر دخلهن وقدرتهن على اتخاذ القرار. فالتمكين الاقتصادي لا يعني المال فقط، بل يعني الكرامة والثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار في أحد أكثر السياقات صعوبة في العالم.
تأثير دعم أكشن إيد فلسطين ملموس على أرض الواقع. إذ تتعلم النساء إدارة المشاريع الصغيرة، والوصول إلى الأسواق المحلية والإلكترونية، ودعم بعضهن البعض من خلال شبكات تعاونية. وبذلك لا يكتفين بكسب الدخل، بل يعِدن صياغة سردية الضحية السلبية المفروضة عليهن.
تقول ألماظة: "رغم كل التحديات، أنا سعيدة. سعيدة لأنني هنا، أحقق شيئاً لنفسي، لا أجلس في المنزل نادمة. الحمد لله، ثقتي بنفسي زادت أستطيع الآن أن أساعد أطفالي وبيتي، وأوفر لهم أشياء كانوا يفتقدونها، أشياء أستطيع أن أقدمها لهم اليوم."
النساء اللواتي وصفن أنفسهن سابقاً بأنهن "محصورات في بيوتهن" أصبحن اليوم يتحدثن عن الهدف والفخر. حتى الدخل المتواضع يمنحهن القدرة على المساهمة في مصاريف الأسرة، ودعم تعليم أطفالهن، واستعادة ثقتهن بأنفسهن.
تقول ألماظة: "في السابق كنت أشعر أنني غير مرئية، أما الآن، عندما أبيع منتجاتي، أشعر أنني موجودة أن عملي له قيمة". كما يساهم التمكين الاقتصادي في تقليل التوتر الأسري الذي يزداد عادة تحت الاحتلال بسبب البطالة والفقر. بالإضافة الى تحسين العلاقات الأسرية وتقوية الروابط المجتمعية.
الكرامة بعد البقاء
في البلدة القديمة من الخليل، حيث كانت المحال التجارية مزدهرة والضحكات تتردد بين أزقتها الحجرية، تبني نساء مثل ألماظة جُزُراً صغيرة من الأمل. تجسد وجوداً وصموداً ليس من خلال الاحتجاج أو السياسة، بل عبر فعل الإصرار على الحياة والإبداع والاعتماد على الذات.
يذكّر عمل أكشن إيد العالم بأن التمكين الاقتصادي هو شكل من أشكال الحماية. فهو يمكّن النساء من الوقوف بثبات على أقدامهن، ومقاومة التآكل البطيء لهويتهن تحت الاحتلال. تُروى قصة H2 عادةً بالأرقام والخرائط، لكن وراء تلك الأرقام نساءٌ تكشف قصصهن بُعداً آخر للصراع عنفاً غير مرئي هو نزع القوة، وقوة صامتة هي استعادة الحياة.ومع بقاء الخليل مدينةً مقسمة، تُثبت نساء H2 أن إعادة البناء لا تبدأ بالجدران، بل بالأيادي الثابتة والخلّاقة، التي لا تنكسر — وهي تنسج الكرامة من جديد في نسيج حياتهن.
نبذة عن مؤسسة آكشن إيد الدولية
مؤسسة آكشن إيد الدولية هي إتحاد عالمي تعمل مع ما يزيد على 41 مليون شخص يعيشون في أكثر من 72 من دول العالم الأكثر فقرا. نسعى لرؤية عالم يتسم بالعدالة والاستدامة، حيث يتمتع كل فرد بالحق في الحياة الكريمة والحرية وعالم خال من الفقر والإضطهاد. نعمل لتحقيق العدالة الإجتماعية ومساواة النوع الاجتماعي وإستئصال الفقر. باشرت مؤسسة أكشن إيد-فلسطين عملها في فلسطين في عام 2007 لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ايمانا في حقه بالتمتع بالحرية والعدالة وحق تقرير المصير. تنفذ مؤسسة أكشن إيد فلسطين عدة برامج من خلال انخراطها مع المجتمع الفلسطيني والمجموعات الشبابية والنساء حيث تسعى الى تمكين النساء والشباب وتعزيز مشاركتهم\هن المدنية والسياسية الفاعلة لفهم حقوقهم\هن والاضطلاع بالنشاط الجماعي للتعامل مع إنتهاكات الحقوق الناجمة عن الاحتلال طويل الأمد، إضافة الى تحسين قدرتهم القيادية وممارسة مواطنتهم في مساءلة السلطات والجهات المسؤولة الأخرى.
لمزيد من المعلومات، يرجى الاتصال ب:
رهام جعفري
مسؤولة التواصل والمناصرة في مؤسسة أكشن إيد-فلسطين في فلسطين
البريد الإلكتروني: Riham.Jafari@actionaid.org